أسماء: كيف تحوّلت الإعاقة إلى طاقة تصنع النجاح والأمل

قصة أسماء: الإعاقة الجسدية والإرادة الحرة

قصة أسماء: الإعاقة الجسدية والإرادة الحرة

عندما نسمع كلمة "إعاقة"، يتبادر إلى الذهن صورة القيد، والقيود، وحياة محكومة بالعجز والاعتماد على الآخرين. لكن الحقيقة، كما تُعلّمنا أسماء، أن الإعاقة الجسدية لا تعني بالضرورة ضعفًا في الروح، ولا هي نهاية الطموح. بل قد تكون، في بعض الأحيان، نقطة البداية لرحلة ملهمة من التحدي، والابتكار، والتأثير المجتمعي.

تُعد قصة أسماء واحدة من أبرز الأمثلة على قوة الإرادة البشرية، وقدرة الإنسان على تجاوز المستحيل. هي شابة لم تُهزم بمرض مزمن أقعدها على كرسي متحرك منذ طفولتها، بل حوّلته إلى منصة للإبداع، وسيلة للتعبير، وطريقًا لتمكين نساء كثيرات من حولها.

طفولة بين الألم والحنين

وُلدت أسماء في حي شعبي متواضع، حيث تسكن الأصوات في الجدران، وتُخزن الذكريات بين أسطح الزنك ودرجات الأزقة الضيقة. منذ نعومة أظفارها، بدأت رحلتها مع المرض، الذي أصاب أطرافها وحدّ من حركتها، لكنه لم يمسّ قلبها النابض بالإصرار.

في بيئة لا تزال تنظر إلى الإعاقة بعين الشفقة أو حتى التمييز، لم تكن الحياة سهلة على أسماء. كانت تُواجه فضول الأطفال، ونظرات الكبار، وأسئلة جارحة مثل: "كيف ستُكمل حياتك؟"، "من سيتزوّجك؟"، "ألا تشعرين بالعجز؟".

لكنها، منذ الصغر، رفضت أن تكون ضحية. كانت تقول لنفسها: "أنا لستُ مريضة، أنا فقط أتحرك بطريقتي الخاصة."

الفن كملاذ روحي

في زاوية متواضعة من بيتها، حيث تلتقي رائحة الخشب بالخيوط الملونة، وجدت أسماء ملجأها. كانت والدتها، امرأة بسيطة لكنها حكيمة، قد أهدتها ماكينة خياطة قديمة، وعلّمتها أوائل فنون التطريز والخياطة.

قالت لها يومًا، وهي تضع يدها على كتفها:

"يا بنتي، موهبتك نعمة من الله، والإبرة في يديك أقوى من مئات الأقدام التي تجري بلا هدى."

هذه الكلمات، البسيطة لكنها عميقة، كانت شرارة التحوّل. بدأت أسماء تقضي ساعات طويلة في نسج الزخارف، ورسم الأشكال التراثية، وتحويل قطع القماش إلى لوحات فنية تعكس جمال روحها، لا قيود جسدها.

التطريز لم يكن مجرد هواية، بل كان وسيلة تواصل مع العالم. كل غرزة كانت تحكي عن صبر، كل لون كان يعبّر عن أمل، وكل تصميم كان يحمل جزءًا من قصتها.

الانطلاقة: من البيت إلى العالم

مع تقدّمها في العمر، أصبح لديها صندوق خشبي صغير يحتوي على عشرات القطع التي أنجزتها: مفارش، أزياء تقليدية، أكياس يدوية، وحتى تصاميم حديثة تجمع بين التراث والمعاصرة.

لكن كل هذا الإبداع ظلّ مُحاصَرًا بأربعة جدران، لا يراه أحد. حتى جاءت لحظة التحوّل، حينما تحدثت إليها جارتها فاطمة، سيدة خمسينية ذات قلب رحيم وعقل فطِن:

"عيب أن يضيع هذا الفن وسط الغبار! لازم الناس تعرفه، ونتي، خاصك تخرجي من الصمت."

كانت كلمات فاطمة بمثابة دعوة للتحرر. لكن الخوف كان أكبر: هل سيقبل الناس منتجات من صنع "معاقة"؟ هل سيُقدّرون الجهد أم سيُركزون على الكرسي المتحرك؟

بمساعدة شقيقها، الذي كان دائم الدعم، قررت أسماء أن تجرب حظها في عالم الإنترنت. لم تكن تملك كاميرا احترافية، ولا استوديو تصوير، لكنها وضعت كل قطعة تحت ضوء النافذة، وصوّرتها بهاتفها القديم، ونشرتها على فيسبوك وإنستغرام، مع تعليق بسيط: "صنعة بأصابع الأمل".

النجاح الأول: طلبية زفاف

لم يمضِ سوى أيام قليلة حتى وصلت أول رسالة: "أريد شراء مفرش مطرز يدويًا كهدية زفاف." كانت الطلبية بسيطة، لكنها فتحت بابًا واسعًا من الأمل.

الثمن كان متواضعًا، لكنه لم يكن مجرد مال، بل كان تأكيدًا على أن جهدها مُقدّر، وأن الناس يرون الجمال، لا العجز.

مع تزايد الطلبات، بدأت أسماء تُفكّر جديًا في تحويل شغفها إلى مشروع حقيقي. فتحت حسابًا بنكيًا، وبدأت تُدرّس بعض المهارات لفتيات الحي، مقابل أجر رمزي. ثم، وبعد جمع تبرعات من أقاربها ومحسنين، اشترت ماكينة خياطة حديثة، وحلّت محلّ القديمة التي أمضت معها سنوات.

لمسة أسماء: من ورشة صغيرة إلى منصة تمكين

في عام 2020، اتخذت خطوة جريئة: استأجرت محلًا صغيرًا في الحي لا يتجاوز عشرين مترًا مربعًا، وأطلقت عليه اسم "لمسة أسماء". لم يكن المحل مجرد مكان للبيع، بل أصبح مركزًا للإبداع والتمكين.

استقبلت أسماء شابات من ذوي الإعاقات، وأرامل، ونساء فقدن أزواجهن، وعلّمتهن فنون التطريز، الخياطة، تزيين الأقمشة، وحتى إدارة المشاريع الصغيرة.

قالت في لقاء مع قناة الجزيرة:

"أنا ما أبيعش مجرد منتجات، أنا أبيع قصة حياة، أبيع ابتسامة، أبيع أمل لكل واحدة تظن أن الإعاقة تسجنها."

التعاونية النسوية: نموذج للتمكين الاجتماعي

مع مرور الوقت، تطور المشروع الصغير إلى تعاونية نسوية رسمية، تضم أكثر من 12 امرأة تعمل تحت إشراف أسماء. أُطلق على التعاونية اسم "نساء الأمل"، وأُنشئ لها موقع إلكتروني بسيط (nisaa-alamal.com) وصفحة على إنستغرام تعرض المنتجات وقصص النساء العاملات.

أصبحت التعاونية نموذجًا يُحتذى به في التمكين الاقتصادي والاجتماعي لذوي الإعاقات، وحصلت على دعم من جمعيات محلية ودولية مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة والإغاثة الدولية لذوي الإعاقة.

الإرادة تصنع المعجزات

على الرغم من النجاح، لم تكن الرحلة خالية من التحديات. عانت أسماء من وعكات صحية متكررة، وآلام مزمنة في الأطراف، وليالٍ بلا نوم. لكنها لم تتخلى عن حلمها. في كل مرة تشعر فيها بالإرهاق، تعود إلى ماكينتها، وتبدأ بالعمل، فتجد في الإبداع دواءً لجراحها.

في مقابلة إذاعية مع صوت الخليج، قالت:

"الكرسي المتحرك أعطاني فرصة أن أرتاح جسديًا، لكن عقلي كان حرًا طليقًا. لا تخافوا من الإعاقة، خافوا من العقل الذي يقيّدكم."

الدعم الأسري: حجر الأساس

لا يمكن الحديث عن نجاح أسماء دون الإشارة إلى الدور المحوري لعائلتها. والدتها، التي رفضت أن تُعاملها كمعاقة، بل كموهوبة، كانت خير سند. شقيقها ساعد في إدارة الحسابات، وتصميم الصفحات، وتنظيم الشحن. وجيرانها، الذين بدأوا بالشفقة، صاروا اليوم من أكبر المروّجين لمنتجاتها.

حتى الأطفال، الذين كانوا يُلاحقونها بنظراتهم، صاروا يُشرّفون بوجودها في الحي، ويسألونها: "يا أسماء، وين تصممين اليوم؟".

النجاح الحقيقي: الأثر، لا الأرباح

اليوم، باتت أسماء رمزًا للقوة والإصرار. تلقت عروضًا من متاجر كبرى لشراء تصاميمها بالجملة، لكنها رفضت، قائلة:

"منتوجاتي هي حكاياتي، والحكاية خاصها تبقى إنسانية."

ترفض أن تتحول إلى خط إنتاج آلي، لأنها تؤمن أن الجمال يكمن في اللمسة اليدوية، في القلب الذي يُنفّذ، في الروح التي تُشارك.

رسالة إلى كل من يشعر بالعجز

قصة أسماء ليست مجرد قصة نجاح، بل رسالة مفتوحة لكل من يشعر أن الحياة أغلقت الأبواب في وجهه. لكل من يعاني من إعاقة، أو فقر، أو تمييز، أو فقدان للأمل.

كم من موهبة دُفنت داخل الجدران لأنها لم تجد من يُشجّعها؟ كم من شاب أو فتاة يعيشون ظروفًا أصعب، وهم بحاجة فقط إلى كلمة: "أنت تستطيع، فقط آمن بقدرتك."

النجاح ليس حكرًا على من يملك المال أو العلاقات أو الصحة. النجاح هو ثمرة الإرادة، والعمل الدؤوب، والثقة بالذات.

خاتمة: الأمل لا يمشي، بل يُصنع

أسماء لم تعد مجرد فتاة من حي شعبي. صارت علامة مضيئة، مثالًا حيًا على أن من يختار الأمل رفيقًا، لا تهزمه الإعاقة، ولا الفقر، ولا نظرات الاستهزاء.

من بيت صغير خرجت فكرة، ومن فكرة ولدت مبادرة، ومن مبادرة خلق أمل. الإرادة، حين تتحرر، تصنع المعجزات، حتى لو بقيت الأرجل ثابتة فوق الكرسي المتحرك.

لذلك، إذا شعرت يومًا أن الطريق مسدود، تذكّر أسماء. تذكّر أن الجمال لا يُقاس بالحركة، بل بالتأثير. وأن الإنسان، مهما اختلفت طريقته، يمكنه أن يترك أثرًا لا يُمحى.

هل أعجبتك قصة أسماء؟ شاركها مع من يحتاج إلى دفعة من الأمل.

شارك القصة على فيسبوك

تعرّف على مشاريع التمكين النسوي: هيئة الأمم المتحدة للمرأة